السبت، ٢٧ يونيو ٢٠٠٩

ناجح من غير مجموع

ناس كتير بتقول إن نظام التعليم في مصر فاشل (هنا مثلا تدوينة حزينة وجميلة أوي) .. ورغم إني متفهم الأسباب وراء الإستنتاج ده إلا إني أحيانا بالأقي نفسي بأختلف معاه . الحكم علي أي نظام بالنجاح والفشل لابد أن يراعي الأهداف التي يسعي وراها هذا النظام ومقارنة هذه الأهداف بما وصل إليها النظام ونتيجة هذه المقارنة ستصل بنا إلي الإستنتاج الصحيح .

وعلي هذا الأساس ، ناس كتير تبدأ تقارن نتيجة نظام التعليم في مصر بالهدف منه متصورة أن الهدف منه هو التعليم . ويتسرعون إلي الإستنتاج إلي أن النتيجة هي الفشل ، وهذه غير صحيح لأن بالتأكيد الطلبة بعد نهاية الدراسة في أي جامعة أصبحوا متعلمين أكتر مما قبل . لكن الهدف الحقيقي من نظام التعليم في مصر هو تخريج الطلبة ليصبحوا حاملي شهادات نستطيع من خلال أنواعها أن نبدأ في تقسيم الناس إلي مجموعات وطبقات .

مثلا عند بداية التجنيد ، شهادتك بتلعب دور كبير في نوع ومدة خدمتك العسكرية . شهادتك أيضا بتعلب دور في إمكانية حصولك علي شقة في مشروع نقابة معينة . وكمان شهادتك بتعلب دور مهم جدا في نظرة المجتمع إليك ، إذا كنت دكتور غير لما تكون خريج تجارة أو لو كنت مهندس غير لما تبقي خريج حقوق . والشهادة هنا بتلعب دور مهم أوي في ترتيب طبقات المجتمع . إحنا بننظر للناس بنظرة ترتيبية (بالترتيب من الأذكي إلي الأقل ذكاء) لأن إذا كان هو دكتور وإنت خريج تجارة يبقي هو جاب مجموع أكبر منك يبقي هو أكيد أذكي منك . وبسبب النظرة ديه – وليس بسبب رغبة كل فرد في تحسين مستقبله – يبدأ الناس في التحايل علي النظام للوصول إلي مرتبة أعلي ، ومن هنا بدأت فكرة الجامعات الخاصة . إذا كنت أنا أغني منك ليه إبنك أذكي من إبني . لأ ، أنا أقدر – بفلوسي – أخليه بنفس ذكاء إبنك ويمكن أذكي كمان .

والترتيب مش بس بين كلية وكلية ولكن أيضا بين جامعة وجامعة . لو إنت هندسة عين شمس غير لما تبقي هندسة حلوان أو هندسة أسيوط – لا سمح الله – . بصرف النظر عن إذا كان فعلا فيه أسباب لهذا الفرق ولا لأ ، المهم إن في فترة معينة تكونت فكرة عن كلية معينة إن ليها “برسيتج” معين والبرستيج ده هو الدافع ورا إندفاع الناس علي هذه الكلية .

لكن أكبر مشكلة في النظام هي الناس في ذيل الترتيب . مصر من أكتر الدول في نسبة الإلتحاق بالتعليم العالي . نسبة الناس في أمريكا اللي مش بتحصل علي أي تعليم جامعي حوالي 55% (من نسبة الطلبة الذين أتموا الدراسة الثانوية – النسبة ترتفع إلي 62.7% عند مقارنة الملتحقين بالتعليم العالي مع هؤلاء في سن الإلتحاق بالتعليم العالي . الإحصائية من عام 2006 ومصدرها المركز القومي لإحصائيات التعليم التابع لوزارة التعليم بالحكومة الفيدرالية الأمريكية . رابط لجدول الإحصائية) . 55% من طلبة الثانوية العامة في أمريكا مش بيدخلوا الجامعة ولا معهد ولا أي حاجة خالص . ليه ؟ لأن الوظايف اللي بيشتغلوها مش محتاجة أي تعليم عالي . فكر في الناس اللي بتدخل معاهد في مصر بعد التخرج بيعملوا إيه  ، بيأخدوا دورات تدريبية علشان يقدروا يشتغلوا . لو واحد فيهم فكر وقال إن التعليم في المعهد مش هو اللي خلاني أحصل علي الوظيفة ديه ولكن الدورة التدريبية . اللي إتعلمته في الدورة التدريبية هو اللي أنا بأشتغل بيه يبقي ليه أضيع وقتي وأروح المعهد . خليه يروح يجرب يتقدم في وظيفة ومؤهلاته بتقول ثانوية عامة مش معهد عالي .

نظام التعليم نجح في إنه يوفر واحدة من أهم متطلبات الوظايف في مصر وهي صك التعليم . عملية إختيار الموظفين في مصر ليست بمستوي الرقي أن تدقق في المستوي الفكري للمتقدمين . أغلب الوظايف لا تتمتع بأي مستوي من التحدي الذي يتطلب موظف علي مستوي متقدم . في أي دولة متقدمة يتم التدقيق في مستوي التعليم والمتعلمين بسبب مطالب العاملين في الصناعات المختلفة ، هذه المطالب نابعة من الرغبة في تصنيع أو إبتكار أو إختراع شئ جديد . إسأل أي مهندس في مصر دوره إيه في مكان عمله ، هيقولك تشغيل الماكينة اللي جه الخبراء الأجانب ركبوها بدون تدخلي .

تطوير التعليم في مصر لا يتطلب فقط الإختيار بين 6 سنوات أو 5 سنوات للتعليم الإبتدائي ، سنة واحدة أو سنتين للثانوية العامة ، أو حتي نظام جديد للقبول الجامعي . تطوير التعليم في مصر يتطلب صناعة حقيقة ، ونظرة جديدة من المجتمع للمتعلمين وهدف يسعي الكل من أجل تحقيقه . تقدر تقول التعليم في مصر ناجح بس من غير مجموع . كفاية علشان تأخد الشهادة لكن ما تقدرش تعمل بيها حاجة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق