السبت، ٨ أغسطس ٢٠٠٩

في ضمير الأمة...أحداث و تحولات التاريخ




تستحق منا أوطاننا أن نجاهد في سبيلها بأفكارنا كما تستحق أن نجاهد في سبيلها بأموالنا و انفسنا. إن أكثر ما يحيرني في الطبيعة البشرية أن الأنسان على مر التاريخ لم يزل يبحث دائما عن وطن أيا كانت فكرة إرتباطه بهذا الوطن إن كانت القبيلة أو الأرض أو الدين أو حتى المصلحة و مع بحثه الدائم لا يزال مستعد دائما أن يضحي حتى و لو وصلت هذة التضحبة إلى الموت و هو الإنسان أيا كانت عقيدته أو دينه محبا و متمسكا بالحياة و لكن في سبيل الوطن الذي سعى إليه مستعد دائما للموت و بكل فخر منه و من من يحبونه.

إن استحقاق الوطن للحب و التضحية لم يحتاج على مر التاريخ أن يفكر فيه الانسان الذي ظل يبحث عن الوطن طوال التاريخ و ظل يضحي في سبيله بكل شئ حتى الموت و لكن الأكيد أن الوطن فعلا يستحق لأنه الوطن هو الوجود و التعريف الحقيقي للأنسان فلم يزل الناس عبر التاريخ في تعاملتهم يهتمون بشكل أساسي بهوية الأنسان ما هو وطنك حسب فكرة تعريف الوطن السائدة في الزمن التاريخي لذلك فإن الوطن لا يحتاج أي شئ من الناس إنما يحتاج إليه الناس دائما لأنه هو الوجود و التعريف و الهوية.

و في سبيل هذا الوطن لا أزال أفكر في الأشياء التي تتعب ضمير الأمه و التي بها يستحيل بناء أمه و وطن. كان من الضروري أن نعرف التاريخ بشكل صحيح و هناك فرق بين التعريف و التعرف لأن التاريخ ليس خفي و الكل يعرفه بكل تفاصيله و هذا التعرف أما التعريف هو أن نعلم و يستقر في ضميرنا أن هذا التاريخ هو جزء منا و نحن من صنعناه بالاشتراك مع أعضاء الوطن القائم على فكرة الدين و لم نكن أبدا محتلين و لم نكن مضطهدين بل كنا مواطنين نشارك في مجد وطن قاد العالم قرابة 1400 سنة ساهمنا فيها في الحضارة الإنسانية بكل شرف و أمانة.

لا تضطر أي أمة في وقتنا الحالي إلى جهد لتعريف تاريخها كما نحتاج نحن هذا التاريخ و السبب أن هناك تحول تاريخي حدث في طبيعة أوطاننا فجأه و بدون أي مقدمات لم يستوعبه أبناء الوطن بالقدر الكافي و لم يهتموا بدراسة هذا التحول و ما هو تأثيرة علينا و ما هو الارتباط بين الشكل القديم و الجديد.

كان الوطن منذ أن فتح الله مصر للمسلمين هو وطن الدين و كان الإنتماء هو الدين و كان نظام الحكم هو أن يحكم خليفة مسلم كل بلاد المسلمين و كانت الخلافة تنتقل من أشخاص لأشخاص و من فكر إلى فكر مع الحفاظ على شكله الأساسي هو وجود خليفه يدعي لنفسه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه أمير كل المسلمين.

إن الرسول صلى الله عليه و سلم امتلك شرعية من الله عز و جل هي شرعية النبوة و الرسالة طغت على كل القاب يمكن إعطائها للرسول صلى الله عليه إلا أنه يعتبر هو أول حاكم لدولة الإسلام و الملاحظ أن الرسول صلى الله عليه و سلم أقام الدولة في المدينة المنورة و هو لا ينتمي لأرضها و لا ينتمي لقبيلتها و رضي أهل المدينة بهذا حتى لما اتفق معهم الرسول في البيعة أنه لا شئ لهم من الإسلام إلا الجنة و رضوا أن يحكمهم من هو من غير قبيلتهم و لا ارضهم لأنهم حددوا هويتهم في الوطن الجديد من القبيلة و الأرض إلى الدين.

حتى لما توفي الرسول صلى الله عليه و سلم حكم الدولة من المدينة رجل ليس من القبيلة و لا الأرض و هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أخذ شرعية خلافة الرسول في الحكم من أنه اقواهم إيمانا و رضى به الجميع من كل المسلمين.

و على طول التاريخ الإسلامي مع تحول شكل الخلافة إلى الشكل الوراثي و اتساع رقعة الأرض لم يحكم أي خليفة من بلد ينتمي إليها و لم تقم ضده أي ثورة من أهل البلد فلقد حكم الأمويون من الشام و أصل أرضهم من مكة و قبيلتهم من قريش و حكم العباسيون من العراق و هم أصل أرضهم من مكة و أصل قبيلتهم من قريش و هكذا بالنظر إلى التاريخ الإسلامي لم تكن فكرة الإنتماء لأي شئ مهم إلا الإنتماء إلى الدين و انطلق و حكم من وجد في نفسه القدرة على تولي مسئولية الأمة من أي أرض لأنه مسلم يحكم مسلمين.

حتى وصل التاريخ إلى أواخر حكم العباسيين و ضعف حكمهم و لم يعد يستطيع أن يسيطر على كل أرض المسلمين فنشأت الدول الصغيرة في فترة حكم العباسيين و لكن لم تنهار فكرة الخلافة الواحدة للمسلمين في أذهان المسلمين لأن كل شخص حكم كان يبحث لنفسه عن شرعية من الخلافة العباسية و لم يستقل أحد بقطعة أرض منفصلا تماما عن الخلافة و هو ما نلاحظه من تاريخ من حكموا مصر في هذة الفترة كانوا دائما يعلنوا نفسهم نوابا للحكم من قبل الخلافة العباسية و أيضا لما حكمت شجرة الدر و جاء توبيخا من الخليفة العباسي بالرغم من عدم سيطرته الفعلية على الحكم في مصر إلا أن توبيخه أخذ في الاعتبار و حادثة بيبرس بعد ما تمت هزيمة التتار و انحصار خطر الصليبين فكر ما هي شرعيته بعد ما تراجعت شرعيته كمدافع عن الأمة فجاء بالطفل العباسي و جعله خليفه و أخذ منه شرعية حكمه.

سمح الضعف العباسي أن تظهر الكثير من الوجوه المتحمسه لحكم الأمه إلا أنها جميعا لم تكن لها القدرة على السيطرة الكاملة على كل الأرض الإسلامية فظل الحال أن يحكم كل منقطة حكاما منفصلين لا يستطيع أحدهم أي يسيطر على الكل مع الأخذ في الإعتبار أيضا ظروف الحروب الصليبية التي ظلت قرونا في فترة الضعف العباسي و من بعدها هجمة التتار التي زلزلت الوجدان الإسلامي بعد إكتساحهم بغداد و جاهد المسلمين لردع الأطماع في دولتهم يساعد بعضهم البعض. و بعد أن انحصر خطر الحملات الصليبية و انهيار دولة التتار عادت الأمة الإسلامية تنظر إلى حالها و تشتاق إلى فكرة الخلافة الواحدة مرة أخرى و أثناء هذا في شمال الدول الإسلامية ظهرت دولة العثمانين.

فيما لحق من التاريخ بعد ما انتهت الخلافة العثمانية لم يكن الذي فكر أن تقوم دولة تركيا على اساس الأرض أن جزءا من هذة الأرض لم يكن أساسا ضمن أرضها التاريخية لو كان الأنتماء هو الأنتماء للأرض لأن بداية مجد العثمانين الحقيقة هو فتح القسطنطينية و التي بشر به الرسول صلى الله عليه و سلم و اعتبره حدثا للأمه الإسلامية و ليس فقط لأهل الأرض و اعتبر من سيفتح رجل تفتخر به الأمه و أعطاه ما يشبه شرعية معينة على اساس أنه حقق مجدا للأمه اللإسلامية.

كنت أفكر قبل البدء في كتابة هذا الموضوع أن اعطيه عنوان فجوة التاريخ أو غفلة التاريخ و لكني فكرت أنه لا توجد في التاريخ لا غفلات و لا فجوات فلا يحدث لأحد غفلة أو فجوة إلا من مات سنينا و عاد مرة أخرى للحياة مثلما حدث لأهل الكهف و لكن شعوبنا كانت دائما حية على طول تاريخها. إذن لا توجد غفلات و لا فجوات و لا لكن توجد أحداث و تحولات.

و عندما فكرت أيضا أن اكتب عن التحول التاريخي لشكل الوطن من الدين للأرض كنت سأبدأ مباشرة من نهاية الخلافة العثمانية إلى أنني فكرت أن لا يمكن دراسية أي تحول إلى بعد دراسة الأحداث الرئيسة في تاريخ الأمة و هي عبارة عن أحداث و بعض الأحداث يحدث التحولات فهجرة الرسول إلى المدينة حدث أدى إلى تحول و التحول هو تغير فكرة الوطن إلى القبيلة إلى الدين فمع بداية الدين كان ينظر إلى أنه أمر اسري بين بني هاشم ثم نظروا إليه على أنه أمر قبلي في قريش ثم تطور إلى أن اصبح دولة و تطورت أحداث الدولة إلا الخلافات و كان حدث ضعف الخلافة العباسية الذي أدى إلى تحول نسبي في شكل الحكم أي يستقل بعض الناس بحكم قطع أرض حتى تمكن العثمانين من الحكم.

جرت العادة في دولة الإسلام منذ بدايتها على يد الرسول صلى الله عليه و سلم أن يحكم الحاكم من الأرض التي يستطيع الإنطلاق منها و التي تدعمه فلقد انطلق الرسول صلى الله عليه و سلم من المدينة لما وجد فيها من دعم و انطلق الأمويون من الشام و العباسيون من العراق و في كل إنطلاقه لم يكن المنطلق من أهل الأرض حتى جائت الإنطلاقة العثمانية.

يستطيع أي محايد أن يعرف أن إنطلاق العثمانين لم يكن من البداية تحمسا لأرض أو لعرق إنما كان تحمسا للدين و أكبر دليل هو القسطنطينية فلما فكر محمد الفاتح في فتحها كان في ذهنه و قلبه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و اشتياقه إلى أن يكون هو الرجل الذي حدث عن الرسول صلى الله عليه و سلم و انطلق من دولته دولة العثمانين و نجح في الفتح فعلا فاخذ العثمانين قوة دفع معنوية هائلة على أساس الوطن الديني السائد في هذا الوقت و وجدوا في أنفسهم القدرة على إعادة توحيد الأمة تحت راية الخلافة الواحدة و فعلوا.

كان الحدث الأهم قبل أي يوحد العثمانين الأمة تحت راية الخلاقة الواحدة أن لأول مرة في التاريخ الإسلامي أن تتوافق أرض الإنطلاق مع المنطلق فلقد أنطلق اتراكا من أرض تركيا في نفس الوقت لم تكن لغتهم العربية التي انتشرت من أثر الفتح الإسلامي و هو ما كان له تأثيرا فيما بعد و لم يكن فيه وقته مؤثرا في شرعية حكمهم للمسلمين فهم حتى لم يسموا خلافتهم الخلافة التركية بل كانت الخلافة العثمانية.

يظل زمن الخلافة العثمانية جزئا لا يعرفه الكثير لأسباب سأحاول معرفتها فيما بعد و لكن من أجل هذا فكرت أنها فجوة و لكن الأكيد أنها لم تكن بأي حال من الأحوال فجوة لأننا كنا في الحياة على أي حال و كل ما تذكره لنا كتب التاريخ هو أن "الأتراك" احتلوا العالم العربي و هذا ليس صحيحا لأنهم اقاموا خلافة اسلامية و تذكر لنا كتب التاريخ أن كل فترة الحكم العثماني ظلام و جهل تاريخي أضطهد فيها الأتراك العرب!

على الجانب الأخر من الأرض عادت أوربا بعد أن فشلت فشلا ذريعا أمام الأمة الإسلامية في الحملات الصليبية التي شنتها لتبحث عن تغطية لفترة ظلام تاريخي مؤكد في اوربا عادوا جميعا ليفكروا فغيروا في انظمة حكمهم بالشكل الذي وجدوه مناسب أن يجعلهم يتقدموا و أهم هذة التغيرات هو فصل الدين تمام عن الدولة لأنهم رأوا أن الدين دائما ما كان يعطل النهضة و يعتبر العلماء كفارا هذا بالإضافة إلى تطور فكرهم الإنساني الذي نهض بدولهم إلى التقدم و وضع الأسس القوية للحكم و التحرك خطوة بخطوة نحو التخلص من فكرة سيطرة حكم أي شخص بعينه على حكم الدولة و إتجاهم أن يأسسوا دولهم في إتجاه المؤسسات.

و مع تطور الفكر الإنساني و انفتاح و تقدم وسائل المواصلات و الإعلام و التقدم العلمي المتلاحق الذي تحققه اوربا و ظهور امبراطوريات مثل فرنسا و بريطانيا و مع ضعف الخلافة العثمانية بدأت أوربا في الزحف و العودة مرة أخرى للعالم و لكن بفكر مختلف ليس فقط احتلال الأراضي و لكن القضاء على أي تكتلات يمكن أن تصبح إمبراطوريات منافسة في اي مستقبل.

و تقريبا مثلما ما حدث في نهاية الخلافة العباسية حدث مع الخلافة العثمانية زحف اوربي لاحتلال أرض الخلافة و محاولات البعض الإنفصال بقطع أرض من الخلافة مثلما حاول محمد علي و خرج من حربه مع الخلافة أن يحكم مصر هو و ابناءه تحت مظلة الخلافة و مثلما حاول الوهابيون في الجزيرة العربية إلا أن الخلافة العثمانية بمساعدة محمد علي سيطرت على المحاولة.

إن قدوم أول زحف أوربي للمنطقة في زمن الخلافة العثمانية كان الحملة الفرنسية بقيادة نابوليون الذي فكر في حال الامة الإسلامية و أقر بضرورة فصلها بأي شكل و بالأخص فصل من نقطة مصر فلسطين و جاء من بعده البريطانيون تقريبا بنفس الفكر هو تفتيت هذة الأمه ليس فقط احتلال أرضها.

حتى وصل التاريخ إلى دخول الخلافة العثمانية الحرب العالمية الأولى ضد إمبراطوريات اوربا التي كانت تحتل بالفعل اجزاء من أرض الخلافه فبدأ الإنفصال الفعلي عندما احس المسلمون أن هناك حربا تدور ليست دفاعها عن فكرة الوطن الإسلامي إنما تعصبا للوطن المرتبط بالأرض و تخلي الخلافة نفسها عن خلافتها لصالح نظرة مختلفة و إنتهاء أرتباط أي أرض كانت تحتلها إمبراطوريات اوربا رسميا بالخلافة العثمانية التي احتفطوا لها بالتبعية الاسمية للخلافة و لكن وقت نشوب الحرب فعلا مع الخلافة اخذوا منها الحق الاسمي و انتهت دولة الخلافة فعليا بعد الحرب و اصبح المسلمين من جديد على نفس الموقف تقريبا يوم انهيار الخلافة في بغداد بعد انتهاء الخلافة العثمانية ليجدوا نفسهم بدون خليفة و لا خلافة و يزيد على ذلك أنهم جميعا تقريبا تحت سيطرة احتلال اوربي يعلنهم دولا على اساس الأرض و هكذا انتهت الخلافة و لكن هل كان من هو مستعد أو متقبل لعودة الخلافة مرة أخرى.


الجمعة، ٣١ يوليو ٢٠٠٩

في ضمير الأمة...التاريخ المفقود

قبل أي حديث عن بناء للأمة تحتاج الأمة إلى تصفية ضميرها من أشياء تتعبه قد تكون استقرت فيه عبر السنين أو زرعت فيه بقصد من أعداء الأمة أو بغير قصد من أبنائها في سبيلهم لبنائها و إصلاحها.

و الحديث عن تصفيه ضمير الأمة هو أول خطوة في سبيل البناء لأنه لا يمكن لأمه أن تجد سبيلها للنهضة و يستعد أبنائها للتضحية و الموت في سبيلها قبل أن تكون و يكونوا في حالة سلام فيه تتوافق و تتصالح الأمه مع أبنائها و يكون أبنائها في حالة رضا و راحة ضمير.

إن الهدف ليس الوصول إلى بلد غني أو بلد متقدم يحقق لمواطنيه رفاهية مادية أو معنوية لفترة من الزمن بل إن الهدف هو بناء أسس و أصول عميقة و تثبيتها و توثيقها لتكون جذورا لشجرة كبيرة يتسظل بها قاصديها لقرون و قرون تؤتي ثمارها أعواما و تجف أعواما و لكن تظل شجرة ثابتة معروفةً جذورها لا شك فيها فلا تكون بناتا مزروعا من فوق الأرض يأخذ ماءا ليتزين و لا يؤتي ثمارا و عند أول هبة ريح تراه حطاما.

تقول لنا كتب التاريخ المدرسي أن جمال عبد الناصر أول مصري يحكم مصر بعد إنتهاء حكم الفراعنة أي بعد آلاف السنين و قرأت في بعض الكتابات الصحفية أن شعب مصر كان يشتري العبيد "المماليك" ليحكموه و سمعت في حديث تليفزيوني أن الخلافة العثمانية كانت إحتلالا تركيا و من هذا الكثير من الكلام الذي يتحدث عن كل فنرة من تاريخ مصر.

كيف لشعب مطلوب منه بناء أمة أن يتردد على مسامعه و يتأصل في ضميره أن فترة عزة أمته كانت في الماضي السحيق المحنط الغير مرتبط بأي شكل من الأشكال عن الواقع و ليس له أي تأثير في أي حاضر أو مستقبل في حين أن تاريخه و مرجعيته الحقيقة غير واضحة فلا وضوح حقيقي لمكان مصر في الفترة بين حكم الفراعنة و ثورة يوليو.

كيف من تصوير البلد مصر أنها كانت محتلة يحكمها غير أهلها عبر آلاف السنين أن تطلب من أهلها فجأه بعد ما تعودوا أن يحكموا بغيرهم أن يتولوا زمام أمرهم و أن يتولوا مسئولية هذة الأرض و هذة الأمة.

إن أول و أكبر نقطة عالقة و معذبة لضمير الأمة هي تاريخها و مرجعيتها لذلك فإن دراسة التاريخ يجب أن تتخذ طريقة أخرى فبعد أن رضينا أن نحدد قطعة الأرض و نسميها مصر كان يجب أن نربط قطعة الأرض و نربط الشعب بماضيه بشكل عادل لا يظلم و لا يشينه لأنه منذ فتح المسلمين لمصر و هم جزء من دولة قوية كانت لها أصولها و ثوابتها القوية.

لقد كانت مصر منذ الفتح الإسلامي جزء من دولة الإسلام حيث كانت الفكرة في قمة توجها لدرجة أن معتنقي الفكرة لأول مرة في التاريخ و لأطول مدة أيضا أعتبروا أن الفكرة أو الدين الحنيف نفسه هو الوطن فأي قطعة أرض يدخل أهلها إلى الدين الإسلامي يصبحوا تلقائيا من أهل الوطن و ما يربط أهل الوطن هو الدين في ظرف تاريخي لم يحدث عبر التاريخ فبينما كانت الشعوب يجمعها أما النسب العائلي في القبيلة أو إرتباط الأرض الواحدة كان المسلمين لقرون و قرون تجمعم فكرة أن الجنسية هي الدين متجاوزه كل حدود الأرض.

و لما كانت الجنسية هي الدين فلم يكن هناك حرج أن يتولى أي شخص من أي مكان حكم أي قطعة أرض كما يرى رأس الحكم لأن الفيصل هنا كان الدين الإسلامي و ليس إنتماءه لهذة الأرض و كان أهل الأرض نفسهم مقتنعين فلم نسمع في تاريخ أهل مصر مثلا أنهم اعترضوا على حكم أي شخص بسبب أنه غير مصري ليس لأنهم كانوا مغيبين و لكن لأن شرعية الحكم هي ارتباط الحاكم بالدين الإسلامي و فكرة الخلافة الواحدة للعالم الإسلامي كله.

على سبيل المثال عندما تولى المملوكي بيبرس أدرك أن إنتصاراته على الصليبين و التتار لا تعطيه شرعية الحكم و هو لم يكن يحكم مصر فقط على كل حال بل كان يحكم مصر و الشام و الحجاز المهم أنه بحث لنفسه عن الشرعية فجاء بأحد أبناء العباسيين و ولاه خليفه على المسلمين و أعلن نفسه نائبا له في حكم ما أراد أن يحكم و تحققت له الشرعية التي طلبها ولو كان بيبرس حاكما طاغيا لما كان يبحث عن شرعية لا يحتاجها فهو ظالم يحكم بالسيف وحده و لو كان يخاف من شعب مصر فكان أولى له في بحثه عن الشرعية أن يحاول أن يثبت أي أصل مصري له و لكنه بحث ووجد الشرعية المسيطرة على فكرة المسلمين و هي الخلافة.

مثال أخر في تاريخ ليس ببعيد بعد خروج الفرنسين من مصر عاد حكم العثمانين إلى مصر و عينوا واليا و هو خورشيد باشا و لم يرضى عنه زعماء مصر المصريين المنتمين للأرض فتحركوا ضده و في تحركهم ضده لم يتحركوا ضد فكرة الخلافة العثمانية نفسها إنما طلبوا تغيير هذا الشخص بالتحديد لما كان يؤذيهم من حكمه و عندما فكروا في شخص بديل لم يكن شاغلهم أن يتولى حكمهم مصري بل كان إختيارهم لمسلم ظنوا أنه الأصلح لولايتهم.

من هذا المنطلق و هذا التاريخ العريض الأصيل تستطيع مصر أن تفتخر بقرون من تاريخها الحقيقي المؤثر فيها فعلا فنحن لا نزال نصلي في مسجد عمرو بن العاص الذي تم بناءه مع الفتح منذ ما يقرب من 1400 سنة و نحن لا نزال ننظر إلى الأزهر على أنه مؤسسة تشترك في صنع القرار المصري و قد تم بناءه في حكم الفاطميين لذلك لا انفصال و لا خزي و لا شئ يعيبنا أن حكمنا على مدار 1400 سنة غير مصريين بل كنا دولة إسلام يحكمنا واحد من أهلنا ينتمي إلينا و ننتمي إليه.

و تاريخنا كله شرف أننا كنا دولة و حضارة إمبراطورية سادت العالم لقرون بعزني الأن أن افتخر بوصول المسلمين لحدود فرنسا و حدود الهند.

يعزني تاريخي و لا يعبيني بأي شكل و لا أي هيئة و لكنني أراه يتركني أو أتركه فأراه لا ينقلني لنفس ما كان عليه معي منذ مئة سنة تقريبا و لا أرى العالم نفسه يتقبله بمعنى أنني أجد نفسي الأن بعد أن كنت أنتمي لكل المسلمين على الأرض من الهند للأندلس هم مني و أن منهم أجد نفسي موجودا في قطعة أرض انتمي إليها و اسمي جنسيتي باسمها و مطلوب مني بعد ما ضحيت و جاهدت لقرون في سبيل وطن أن اتحول في سنين أو في فجوة بيني و بين تاريخي أن ادافع عن وطن ليس آخرا إنما هو و لكن شكله اختلف شكله اختلف بتخلي التاريخ عني و في ظروف عالمية لا تسمح بفكرة الانتماء لفكرة أن تطغى على الانتماء لأرض.

فكان مأزقا و كان التحدي و النقطة الثانية في ضمير الأمه بعد أن استارحت لتاريخها أن تنظر لحاضرها و تبحث عن تاريخا لأن كل جذورها فيه و أنه لابد أن تجد ربطة منطقية بعد كل هذة القرون و بين شكل الواقع الجديد الغير مرتبط بما كان لتجد لنفسها الحاضر و المستقبل.

الأحد، ١٩ يوليو ٢٠٠٩

الخيمة والسوق

دعني أبدأ بالإقتباس أولا

وبصفته وزيرا لخارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي لرئيسها ، فإن “كيسنجر” راح يطلب من كل من يعرف من مساعديه (في البيت الأبيض وفي الوزارة) ومن كل زملائه السابقين (في الجامعات الأمريكية وفي مقدمتها “هارفارد” وهي جامعته) أن يمدوه بأوراق تساعده علي تناول الأزمة التي فاجأته في ”توقيتها هي” وليس في “توقيته هو”.

……

……

والذي حدث أن ”كيسنجر” في عملية الفزر الأخير للأوراق أزاح إلي مساعديه ورقة “سيسكر” ورقة “فيشر” ووضع ورقة الباحث (الذي أرجح أن يكون “ريتشارد هاس”) في حقيبة يده وبدأ سفره.

وكانت الورقة مختصرة: صفحة واحدة.

وكانت في نفس الوقت جديدة: عنوانها “الخيمة والسوق”.

كانت الورقة في ملخصها (رغم قصرها) تقول لـ”هنري كيسنجر”:

لا داعي لأن تشغل نفسك – في الوقت الراهن – بنظريات كثيرة في إدارة وحل الصراعات ، وفنون التفاوض ودواعي الأمن.

ما ينفعك الآن هو أن تتذكر “تقليدين” من “ثقافة” الحياة العربية:

تقليد “الخيمة” – وفيها شيخ يتوسط مجلسا يحيط به ، وإن كانت السلطة عنده وحده. وعندما تدخل عليه فسوف تجد من حوله كثيرين يدخلون ويخرجون – ويهمسون في أذنه ، ويهزون رءؤسهم ، وقد تري أحدهم يتوجه أمامك إلي رجل آخر في الخيمة لينقل إليه شيئا وهو يشوح بإحدي يديه. كل تلك مؤثرات شكلية وصوتية. ركز نظرك إلي الشيخ وإمدحه وبالغ في مدحه ، وبمقدار ما تعطيه مما عندك فسوف يعطيك مما عنده .

وتقليد “السوق” – والتفاوض فيه ليس علما وإنما هو “فن المساومة” يمارسه أصحابه بـ”مزاج” و”إستمتاع” ، وهم في العادة يبدءون أي صفقة بسعر مبالغ فيه ، وحين تراجعهم تعلو أصواتهم ليقسموا لك أنهم لم يبالغوا ، علي أنهم من أجل خاطرك سوف يتهاودون ، لكنها كلمتهم الأخيرة سوف يقولونها وأنت حر. وحين تسمعها وتؤكد لهم أنها مازالت أعلي مما أنت مستعد لدفعه سوف يعودون لك مرة أخري حالفين (وبالطلاق ربما) أن ذلك خارج قدرتهم لأن قبولهم به خسارة محققة . لا تصدق كلامهم ، وتمسك بما تظنه معقولا وصمم عليه ، وسوف تجدهم يتنازلون أمامك خطوة بعد خطوة (ولو بدت الخطي متثاقلة) وعليك وحدك أن تقدر بإحساسك – دون أي دليل يساعدك – إذا كانوا قد وصلوا إلي القاع الذي لا يقدرون بعده علي النزول ، أو أنه مازال تحت القاع الظاهر – قاع آخر لم تره من أول نظرة أو من النظرة الثانية.

الإقتباس من كتاب “العربي التائه” لـ”محمد حسنين هيكل” عن ورقة قرأها “هنري كيسنجر” وهو في طريقه إلي الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر عندما تسلم لأول مرة إدارة الدور الأمريكي في الأزمة وقتها أيام عهد الرئيس “ريتشارد نيكسون” . السؤال الذي يدور ببالي بعد قراءة هذه السطور هو “كم نسبة إنطباق هذه الثقافة علي الوضع العربي الآن؟” . ربما لا أملك أجابة قاطعة إلا إني يمكن أن أتيقن أنها لا تقل أبدا عن نسب نجاح الزعماء العرب في إنتخاباتهم .

السبت، ٢٧ يونيو ٢٠٠٩

ناجح من غير مجموع

ناس كتير بتقول إن نظام التعليم في مصر فاشل (هنا مثلا تدوينة حزينة وجميلة أوي) .. ورغم إني متفهم الأسباب وراء الإستنتاج ده إلا إني أحيانا بالأقي نفسي بأختلف معاه . الحكم علي أي نظام بالنجاح والفشل لابد أن يراعي الأهداف التي يسعي وراها هذا النظام ومقارنة هذه الأهداف بما وصل إليها النظام ونتيجة هذه المقارنة ستصل بنا إلي الإستنتاج الصحيح .

وعلي هذا الأساس ، ناس كتير تبدأ تقارن نتيجة نظام التعليم في مصر بالهدف منه متصورة أن الهدف منه هو التعليم . ويتسرعون إلي الإستنتاج إلي أن النتيجة هي الفشل ، وهذه غير صحيح لأن بالتأكيد الطلبة بعد نهاية الدراسة في أي جامعة أصبحوا متعلمين أكتر مما قبل . لكن الهدف الحقيقي من نظام التعليم في مصر هو تخريج الطلبة ليصبحوا حاملي شهادات نستطيع من خلال أنواعها أن نبدأ في تقسيم الناس إلي مجموعات وطبقات .

مثلا عند بداية التجنيد ، شهادتك بتلعب دور كبير في نوع ومدة خدمتك العسكرية . شهادتك أيضا بتعلب دور في إمكانية حصولك علي شقة في مشروع نقابة معينة . وكمان شهادتك بتعلب دور مهم جدا في نظرة المجتمع إليك ، إذا كنت دكتور غير لما تكون خريج تجارة أو لو كنت مهندس غير لما تبقي خريج حقوق . والشهادة هنا بتلعب دور مهم أوي في ترتيب طبقات المجتمع . إحنا بننظر للناس بنظرة ترتيبية (بالترتيب من الأذكي إلي الأقل ذكاء) لأن إذا كان هو دكتور وإنت خريج تجارة يبقي هو جاب مجموع أكبر منك يبقي هو أكيد أذكي منك . وبسبب النظرة ديه – وليس بسبب رغبة كل فرد في تحسين مستقبله – يبدأ الناس في التحايل علي النظام للوصول إلي مرتبة أعلي ، ومن هنا بدأت فكرة الجامعات الخاصة . إذا كنت أنا أغني منك ليه إبنك أذكي من إبني . لأ ، أنا أقدر – بفلوسي – أخليه بنفس ذكاء إبنك ويمكن أذكي كمان .

والترتيب مش بس بين كلية وكلية ولكن أيضا بين جامعة وجامعة . لو إنت هندسة عين شمس غير لما تبقي هندسة حلوان أو هندسة أسيوط – لا سمح الله – . بصرف النظر عن إذا كان فعلا فيه أسباب لهذا الفرق ولا لأ ، المهم إن في فترة معينة تكونت فكرة عن كلية معينة إن ليها “برسيتج” معين والبرستيج ده هو الدافع ورا إندفاع الناس علي هذه الكلية .

لكن أكبر مشكلة في النظام هي الناس في ذيل الترتيب . مصر من أكتر الدول في نسبة الإلتحاق بالتعليم العالي . نسبة الناس في أمريكا اللي مش بتحصل علي أي تعليم جامعي حوالي 55% (من نسبة الطلبة الذين أتموا الدراسة الثانوية – النسبة ترتفع إلي 62.7% عند مقارنة الملتحقين بالتعليم العالي مع هؤلاء في سن الإلتحاق بالتعليم العالي . الإحصائية من عام 2006 ومصدرها المركز القومي لإحصائيات التعليم التابع لوزارة التعليم بالحكومة الفيدرالية الأمريكية . رابط لجدول الإحصائية) . 55% من طلبة الثانوية العامة في أمريكا مش بيدخلوا الجامعة ولا معهد ولا أي حاجة خالص . ليه ؟ لأن الوظايف اللي بيشتغلوها مش محتاجة أي تعليم عالي . فكر في الناس اللي بتدخل معاهد في مصر بعد التخرج بيعملوا إيه  ، بيأخدوا دورات تدريبية علشان يقدروا يشتغلوا . لو واحد فيهم فكر وقال إن التعليم في المعهد مش هو اللي خلاني أحصل علي الوظيفة ديه ولكن الدورة التدريبية . اللي إتعلمته في الدورة التدريبية هو اللي أنا بأشتغل بيه يبقي ليه أضيع وقتي وأروح المعهد . خليه يروح يجرب يتقدم في وظيفة ومؤهلاته بتقول ثانوية عامة مش معهد عالي .

نظام التعليم نجح في إنه يوفر واحدة من أهم متطلبات الوظايف في مصر وهي صك التعليم . عملية إختيار الموظفين في مصر ليست بمستوي الرقي أن تدقق في المستوي الفكري للمتقدمين . أغلب الوظايف لا تتمتع بأي مستوي من التحدي الذي يتطلب موظف علي مستوي متقدم . في أي دولة متقدمة يتم التدقيق في مستوي التعليم والمتعلمين بسبب مطالب العاملين في الصناعات المختلفة ، هذه المطالب نابعة من الرغبة في تصنيع أو إبتكار أو إختراع شئ جديد . إسأل أي مهندس في مصر دوره إيه في مكان عمله ، هيقولك تشغيل الماكينة اللي جه الخبراء الأجانب ركبوها بدون تدخلي .

تطوير التعليم في مصر لا يتطلب فقط الإختيار بين 6 سنوات أو 5 سنوات للتعليم الإبتدائي ، سنة واحدة أو سنتين للثانوية العامة ، أو حتي نظام جديد للقبول الجامعي . تطوير التعليم في مصر يتطلب صناعة حقيقة ، ونظرة جديدة من المجتمع للمتعلمين وهدف يسعي الكل من أجل تحقيقه . تقدر تقول التعليم في مصر ناجح بس من غير مجموع . كفاية علشان تأخد الشهادة لكن ما تقدرش تعمل بيها حاجة .

الثلاثاء، ٢٣ يونيو ٢٠٠٩

إختلاف الرأي يفسد كل قضية

في قنوات الأخبار الأمريكية هناك تعبير مستخدم للإشارة إلي الضيوف الذين يقومون بمناقشة المواضيع المطروحة يوميا . هذا التعبير هو “الرؤوس المتكلمة” (Talking Heads) . وذلك لأنهم يطلون برؤوسهم ليتكلموا . هذه الرؤوس تقوم ليس فقط بطرح وجهة نظرها ولكنها تتكلم نيابة (بشكل أو بأخر) عن تيار معين . وقنوات الأخبار دائما ما تستضيف شخصا ليعبر عن وجهة نظر كل تيار لأن التيارات في أمريكا محصورة في تيارين فقط ، التيار الليبرالي (أو الحزب الديمواقراطي) والتيار المحافظ (أو الحزب الجمهوري) . وتستطيع أن تتعرف علي ميول القناة الإخبارية من خلال نوعية الضيوف التي تستضيفهم . فقناة إم إس إن بي سي MSNBC تميل ناحية الديمواقراطيين و فوكس نيوز Fox News تستضيف المحافظين ، أما سي إن إن CNN فتراعي التوازن بين التيارين لدرجة الحرص علي عدد الثواني المسموحة لكل طرف وذلك إلي مستوي يجعل التوازن أحيانا أسوأ من التحيز .

وبالرغم من أن التناظر علي شاشات التليفزيون الأمريكي هو مهنة بحد ذاتها مما قد يوحي بإمكانية تنوع الأفكار المطروحة إلا إن مراقبة قريبة للشخصيات التي تتحدث تجعلك قادر علي أن تتوقع ما سيقوله كل طرف فكلاهما متحيز لحزبه وتياره وليس الهدف بالتحديد هو أن تطرح وجهة نظر هذا التيار وتشرح لماذا هي وجهة النظر الصحيحة ولكن أقرب إلي أن تجعله يبدو وكأنه هو الأصح . فكل الموضوعات قد تم تفنيدها وتحليلها مرات ومرات وكل المطلوب هو لتيار أن يصل إلي الحكم كي يبدأ بتفيذ سياساته بصرف النظر عن إعتراضات الطرف الأخر فالمناظرة قد إنتهت بنهاية الإنتخابات .1_921629_1_23

علي الجانب الأخر من الكرة الأرضية ، تجد مشكلات وموضوعات في دول عربية عديدة لم تحظي بالتفنيد الذي حظيت به الموضوعات في الدول المتقدمة ومع كون المناظرات في التليفزيون فرصة أمام أصحاب الرأي لشرح وجهة نظرهم ، فرصة لا تتاح لهم في بلاد لا تملك إلا الصحف اليومية لنشر أي نوع من الرأي لشعوب مازالت نسبة الأمية فيها مرتفعة بشكل يدعو للخجل . ورغم هذا تجد المناظرات في التلفزيونات العربية أكثر سذاجة من نظيراتها في التليفزيونات الأمريكية . فواحد من البرامج التي تثير دهشتي دائما هو برنامج “الإتجاه المعاكس” علي قناة الجزيرة والذي تحمل صفحته علي موقع الجزيرة اليوم لقطة من البرنامج حيث يقوم المذيع “فيصل القاسم” – جسديا – بالوقوف بين الضيفين لتهدئتهما . وهذه مجرد لقطة فقط من البرنامج تجعلك متأكد أن مشاهدته ليست فرصة للتعرف علي من من الطرفين أصح أو حتي يملك حجة مقنعة ولكن فرصة ممتازة لمشاهدة قليل من تليفزيون الواقع حيث تستطيع إن تراهن علي إذا ما كانا الطرفين سيتشبكان أم لا .

السبب الرئيسي وراء هذه السذاجة هو سلوكنا كعرب في إدارة الحوار – أي حوار – فيما بيننا . دعني أوضح ما أعنيه بما قلت . نحن لا نعرف كيف ندير حوار ، لأننا لا نعرف كيف نتحاور . إسمحوا لي أن أطرح من خلال هذه التدوينة نقاط أساسية قد تساعد علي تخطي هذا . ولا أعني بهذا أن بعد قراءة ما يلي أن ستكون محاور من الطراز الأول أو حتي محاور جيد . لكنها أقرب إلي ملاحظات علي طريقتنا في الحوار .

الموضوعات لا يفصل فيها في حوار

نهاية الحوار لا تعني نهاية العالم وحتي لو لم تملك من الحجج ما يدافع عن موقفك فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنك لست علي حق ولكنه فقط يعني أنك لا تملك من الحجج ما تدافع به عن موقفك سواء ذلك لأنه لا توجد حجج أو لأنك فقط لا تملكها بسبب أنك لا تدري عما تتحدث أو أنك لم تبحث الموضوع بشكل كافي .

الهدف من الحوار ليس إقناع الطرف الأخر

إذا كنت تؤمن بشئ لدرجة أنك مستعد أن تتحدث للدفاع عنه وتعتقد أنك تملك من الحجج ما يكفي للقيام بذلك ، من الصعب جدا أن أتصور أنك مستعد أن تقتنع بوجهة نظر الطرف الأخر فكيف تتوقع أن يقتنع هو بوجهة نظرك ولا تستعجب من أنه لم يقتنع . لو كان يمكن أن يقتنع فكان سيقتنع من البداية .

كونك علي جانب الحق لا يعني أنك علي حق

إذا كان الحق واضح للجميع ، فلماذا نتحاور إذن ؟ كونك علي جانب الحق يسهل جدا من مهمتك في شرح وجهة نظرك ما عليك الآن هو أن تشرح لماذا أنت علي حق . لكن لا تستعجب من كيف لا تري الشمس كما تراها ، بل ساعدهم في أن يفعلوا ذلك .

لا أحد يمتلك الحقيقة

لا تصادر علي الطرف الأخر أن يناقش ما تذكره من نقاط حتي ولو كان بالباطل لأنك إذا كنت علي حق فلا خوف من أن تشرح أسباب ذلك .

الهدف من الحوار هو التوصل إلي حل وسط

بعض الموضوعات تتحمل إمكانية التوصل إلي حلول متوسطة بين الطرفين ، الحكم علي هذه الإمكانية يرجع إلي طبيعة الموضوع نفسه فلا تستبعد هذه الأمكانية لمجرد أن مقتنع بأنك علي حق .

الهدف من الحوار هو إقناع الطرف الثالث

إذا ما تناظر طرفين فإن الهدف من المناظرة في جميع الحالات هو إقناع الطرف الثالث (مشاهدي البرنامج في حالة الفضائيات) . رغم أن أفضل طريقة لإثبات وجهة نظر هي أن تقنع المناظر الأخر إلا أن مع إدراك أن هذا تقريبا مستحيل حدوثه ، فإن الهدف هو إقناع الأعداد الكبيرة من متابعي الحوار .

إعرف جمهورك

إذا كنت تتحدث أمام جمهور من الأكاديميين فذلك يختلف عن عامة الناس ويختلف عن مشاهدي التليفزيون . أن تعرف جمهورك هو أن تدرك من أين تبدأ وإلي أي مدي تستطيع أن تصل في إستعراض وجهة نظرك ، ما اللغة التي تستخدمها في الوصول إليهم وما يهمهم ولا يهمهم .

إدراك العامة

الناس لا تحكم بين طرفين بالضرورة بما يملكون من حجج – رغم أنها السبب الأساسي – ، إلا أن إدراك (perception) المشاهدين لطرفي الحوار يشكل عامل مهم في الحكم عليهم . لا يملك كل متابعي الحوار المعرفة أو الخبرة للحكم علي حجج الطرفين في كل الحالات وإذا لم تتوافر هذه المعرفة فإن الناس تميل إلي الحكم علي الطرفين من خلال وجهة نظرهم فيهم شخصيا .

لا أحد يستمع إلي مجنون

ولأن إدراك العامة عامل مهم في الحكم علي طرفي الحوار فإن مجرد أن تبدو كمجنون يدفع بك إلي خانة أن تكون مجنونا . لا داعي لأن ترفع صوتك أو تشير بذراعيك لأنه في النهاية فأنت لن تفصل في الموضوع بنهاية الحوار . لا داعي أن تدفع بقناعاتك وأحكامك علي مواضيع كأنها حقائق مؤكدة . ليس الهدف من الحوار هو فقط عرض أفكارك ولكن إقناع الناس بها ولا توجد طريقة لذلك أفضل من الوصول بهم إلي النتائج خطوة بخطوة .

ما أسهل تشويه السمعة

بالرغم من أن إثبات أن الطرف الأخر لا يملك من المصداقية ما يكفي لأن يعرض وجهة نظره في أي موضوع ، إلا أن تشويه سمعته بإستخدام إشاعات وشبهات مهما كانت معروفة هو شئ سهل من الممكن أن يقوم هو به أيضا وهو ما ينقل الحوار من تبادل للحجج إلي تنابز بالألقاب .

لا توجد حقيقة مؤكدة غير قابلة للعرض

رغم أنك لا تريد أن تبدأ تشويه سمعة مناظرك إلا إنه إذا ما كانت سمعته مشوهة بشكل مثبت فإن هذا لا يعد تشويها للسمعة ومع ذلك فإنك تريد أن تبتعد عن تهمة تشويه السمعة ، لذلك عليك أن تجد طريقة كي تذكر متابعي الحوار بمن هو مناظرك .

لا توجد حقيقة غير مؤكدة

إذا كانت غير مؤكدة فهي ليست بحقيقة . إبتعد عن أي سند ضعيف في عرضك لوجهة نظرك .

إستمع ولا تنتظر فقط لفرصتك في الكلام

أغلب الناس تستغل فرصة حديث الطرف الأخر لمحاولة تجميع الأفكار وتجهيز ما ستقوله لاحقا وأيضا إلتقاط الأنفاس إلا أنهم يتجاهلون أهم شئ وهو الإستماع إلي ما يقوله الطرف الأخر . أغلب الظن أن فرصتك الأكبر في إثبات وجهة نظرك متعلقة بخطأ يرتكبه الطرف الأخر وليس بالضرورة بفصاحتك .

الاثنين، ١٥ يونيو ٢٠٠٩

America’s Next Dumb Move

image On CNN through the last half hour, I watched the shameful coverage of the dispute in Iran. During that half hour, Wolf Blitzer had two guests: A professor who is related to Oil companies, and the son of the former Shah of Iran. Two people who could be benefiting greatly from any dissent from the Iranian people towards the Ayatollahs. While the interview, Mr. Blitzer kept asking about whether this is the next Iranian 'revolution', and while the term has been used on the Internet, we've learned in the half hour before Mr. Blitzer's show that the Internet isn't credible enough to make it to television.


The mere thought that the Iranian people could welcome any intervene for or against the results of the election, is a very stupid thought. The Obama administration has shown remarkable restraint towards commenting on the ongoing events. On the other hand, people - on the right in America - are divided between two camps, welcoming the results because it's easier to gather support against Ahmedinajad, Or [the other camp] calling for intervene from the administration in the name of preserving freedom and democracy. The CNN's two interviews suggest - in a very subtle way - that there is an always-depressed people in Iran that is calling for its freedom from the Ayatollahs. The Ayatoallahs who stood up against the Shah (Google the Shah to find the true definition of oppression), who gave the people 6 presidents in the last 30 years, and who - just last week - oversaw people rallying in the streets cheering freely for their candidates and an American-style TV debate with no punches spared.


If the US and the US media don’t understand that democracy is a process developing over decades, not some kind of micro-waveable meal that is ready in seconds. If the US doesn't learn from its own history that witnessed a Civil war (over a very simple moral reality that is in the heart of the US constitution) and major protests during the civil rights movement. If the US doesn't understand that the Iranian people will turn against any interference from outside. Then, intervening in the running dispute in Iran will be America's next dumb move.

Becoming Egypt

I was watching CNN’s GPS with Fareed Zakaria today and he was discussing, of course, the election in Iran. Reza Aslan, an Iranian himself, was among the panel with an analysis of why the opposition is so outspoken.

But the really fascinating thing is that now you have these new coalitions forming amongst centrists and pragmatists, like Rafsanjani, and more reformists groups, like Khatami's followers. And they're trying to come together, put aside some of their ideological reservations, the old right-and-left argument that was so much about politics of the 1990s in Iran, and they're trying to push back against what they see as a militarization of Iranian politics.

They are scared to death that Iran is becoming …

It was only a moment before he completed his sentence but a reel of military regimes went through my head. Cuba, maybe North Korea, and even Iraq during Sadaam Hussien era. I kept compiling the list before he finished the sentence with the brutal truth.

.. Egypt.

!!!

:( :(

Well, Thank you very much Mr. Aslan for reminding us about that, Although we can’t really forget. Special thanks goes out to the Egyptian government that is providing bunch lines for people who actually know what they’re talking about.

To my absolute pleasure :( , the host Fareed Zakaria quickly explained.

You mean a kind of -- a military dictatorship.

Transcript of the episode is here, and you can watch the video here.

A Distant Cousin

Originally posted at my blog at June 3, 2009

This is pretty much a technical blog. Okey, it’s a technical blog about software and developers, even the tag line is about a developer in some kind of heart surgery or something. So, I thought hard before taking a D-tour of those topics to address a political event like Obama’s address in Cairo tomorrow.

The reason is that I think I have a vantage point on the topic, being an Egyptian living in the west and subjected to the sheer volume of press coverage of the Obama campaign, transition, administration, and every little thing.

First of all, I want to address some of the arguments about the visit and the speech.

  • No Muslim World: trying to put a geographical boundary around the Muslim world is like giving membership cards for intellectuals. There are no specific qualifications yet a lot of people are qualified.
  • Visit is endorsement to the Mubarak regime: Not really, the reason the Obama administration chose Cairo rather than any other Islamic country is on basis of elimination. Helene Cooper predicted it best. You know, Syria and Iran off limit, Indonesia would be playing favor with his childhood town, Saudi Arabia too holy, Turkey not Arabic enough, Iraq too many American forces, Palestine and Pakistan no no from secret service, Libya too crazy, Gulf Area too rich and too small for a big speech. So Cairo is the place, not with all the advantages but rather the place with no ‘Obvious’ disadvantages except for the no-democracy thing. Well, America lived with that for so long why stop now?. I can assure you that all Obama wanted was a podium with Al-Azhar or any other mosque in the background, a Muslim-y looking crowd and his teleprompter of course. If Mubarak had visited Washington as planned, maybe Obama wouldn’t have met with him in Cairo.
  • Cairo turning into a police/security barrack: Well, what else is new? Every time Mubarak goes out to buy new socks, Cairo turns upside down and a buffer zone of police top officers is created along the way from the presidential palace to the socks shop downtown.
  • Invitation to the ‘real’ Egypt: As much as I love for that to happen, we all know that not gonna. Simply because such a trip for Mubarak himself isn’t gonna happen. The guy have a financial meltdown, a GM bankruptcy, fading middle class, rising unemployment numbers, diving home prices across America, two wars, failing health care system, failing students, near failing social security system, changing climate, and a VP who doesn’t stop talking and you want him to pay attention to your problems of being unemployed, under paid if employed, having no health care, or decent education, having no freedom, or rights, being tortured, beaten, robbed, and used by all means possible. Please be serious. It’s not that Obama doesn’t care, or doesn’t know, or doesn’t have the means, no it’s just he’s not your president and probably have shit to do.
  • Protesting the visit: Look, I’m totally for the protests and all that. But don’t protest a speech from a pretty reasonable guy who is globally beloved and hugely popular in Europe, home of all Anti-American protests during the last 8 years. A guy who literally gave his first TV interview in office to an Arabic TV network. I’m not saying don’t protest, I’m saying protest something that is actually worth protesting. For example, Obama broke one of his promises few weeks ago when he didn’t release the torture photos of Guantanamo camp and said that his administration will not seek the prosecution of those who carried out the torture or those who authorized it under the banner of protecting the American troops overseas. But it’s actually for political reasons including avoiding the embarrassment of addressing the Muslim world while photos of torturing Muslims is circulating the media and the Internet, and also avoiding a fight with the Republicans (who are basically responsible for all what happened in Gitmo) in a time where national unity and bipartisanship in Washington is the talk of the town. So, if you wanna protest, protest all you want but do it for something that will get you some air time in the west to where you wanna deliver a message and not just get couple of nights in a Cairo police station.

Obama speech in Cairo for the Muslim world is part of his effort to fix the image of the United States around the world, especially in the Muslim world where good relations would go a long way in proving Obama right when he talks about dialog and direct diplomacy being the best way to secure America. So, this is more about Obama playing his best card in the effort to secure his own country, just like Bush did. And while Bush best card was his ‘Dickishness’ powered by Tomahawk cruise missiles, Stealth fighter jets, and empty threats of plug ’n’ play democracy, Obama’s best card is ‘Inclusion’ powered by inspiring rhetoric, compelling life story, and head-on style of addressing problems. Just look at what he’s done in Notre Dame and you’ll get a sense of how he tackle problems. Of course the middle east is no anti-abortion protest but you get the picture.

So, stop treating the man as if he’s the distant cousin who was elevated to leading the company producing all of our products and suddenly we’re expecting him to return all the favors that we never gave him, forgetting that the company is declining and stuck in legal disputes while its PR machine has been put on hold for the last 8 years. Stop casting your unrealistic hopes, disappointed dreams, everlasting problems, and growing anger on him. Start taking matters in your own hands and realize that no one, but you, can solve your own problems.