السبت، ٨ أغسطس ٢٠٠٩

في ضمير الأمة...أحداث و تحولات التاريخ




تستحق منا أوطاننا أن نجاهد في سبيلها بأفكارنا كما تستحق أن نجاهد في سبيلها بأموالنا و انفسنا. إن أكثر ما يحيرني في الطبيعة البشرية أن الأنسان على مر التاريخ لم يزل يبحث دائما عن وطن أيا كانت فكرة إرتباطه بهذا الوطن إن كانت القبيلة أو الأرض أو الدين أو حتى المصلحة و مع بحثه الدائم لا يزال مستعد دائما أن يضحي حتى و لو وصلت هذة التضحبة إلى الموت و هو الإنسان أيا كانت عقيدته أو دينه محبا و متمسكا بالحياة و لكن في سبيل الوطن الذي سعى إليه مستعد دائما للموت و بكل فخر منه و من من يحبونه.

إن استحقاق الوطن للحب و التضحية لم يحتاج على مر التاريخ أن يفكر فيه الانسان الذي ظل يبحث عن الوطن طوال التاريخ و ظل يضحي في سبيله بكل شئ حتى الموت و لكن الأكيد أن الوطن فعلا يستحق لأنه الوطن هو الوجود و التعريف الحقيقي للأنسان فلم يزل الناس عبر التاريخ في تعاملتهم يهتمون بشكل أساسي بهوية الأنسان ما هو وطنك حسب فكرة تعريف الوطن السائدة في الزمن التاريخي لذلك فإن الوطن لا يحتاج أي شئ من الناس إنما يحتاج إليه الناس دائما لأنه هو الوجود و التعريف و الهوية.

و في سبيل هذا الوطن لا أزال أفكر في الأشياء التي تتعب ضمير الأمه و التي بها يستحيل بناء أمه و وطن. كان من الضروري أن نعرف التاريخ بشكل صحيح و هناك فرق بين التعريف و التعرف لأن التاريخ ليس خفي و الكل يعرفه بكل تفاصيله و هذا التعرف أما التعريف هو أن نعلم و يستقر في ضميرنا أن هذا التاريخ هو جزء منا و نحن من صنعناه بالاشتراك مع أعضاء الوطن القائم على فكرة الدين و لم نكن أبدا محتلين و لم نكن مضطهدين بل كنا مواطنين نشارك في مجد وطن قاد العالم قرابة 1400 سنة ساهمنا فيها في الحضارة الإنسانية بكل شرف و أمانة.

لا تضطر أي أمة في وقتنا الحالي إلى جهد لتعريف تاريخها كما نحتاج نحن هذا التاريخ و السبب أن هناك تحول تاريخي حدث في طبيعة أوطاننا فجأه و بدون أي مقدمات لم يستوعبه أبناء الوطن بالقدر الكافي و لم يهتموا بدراسة هذا التحول و ما هو تأثيرة علينا و ما هو الارتباط بين الشكل القديم و الجديد.

كان الوطن منذ أن فتح الله مصر للمسلمين هو وطن الدين و كان الإنتماء هو الدين و كان نظام الحكم هو أن يحكم خليفة مسلم كل بلاد المسلمين و كانت الخلافة تنتقل من أشخاص لأشخاص و من فكر إلى فكر مع الحفاظ على شكله الأساسي هو وجود خليفه يدعي لنفسه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه أمير كل المسلمين.

إن الرسول صلى الله عليه و سلم امتلك شرعية من الله عز و جل هي شرعية النبوة و الرسالة طغت على كل القاب يمكن إعطائها للرسول صلى الله عليه إلا أنه يعتبر هو أول حاكم لدولة الإسلام و الملاحظ أن الرسول صلى الله عليه و سلم أقام الدولة في المدينة المنورة و هو لا ينتمي لأرضها و لا ينتمي لقبيلتها و رضي أهل المدينة بهذا حتى لما اتفق معهم الرسول في البيعة أنه لا شئ لهم من الإسلام إلا الجنة و رضوا أن يحكمهم من هو من غير قبيلتهم و لا ارضهم لأنهم حددوا هويتهم في الوطن الجديد من القبيلة و الأرض إلى الدين.

حتى لما توفي الرسول صلى الله عليه و سلم حكم الدولة من المدينة رجل ليس من القبيلة و لا الأرض و هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنه أخذ شرعية خلافة الرسول في الحكم من أنه اقواهم إيمانا و رضى به الجميع من كل المسلمين.

و على طول التاريخ الإسلامي مع تحول شكل الخلافة إلى الشكل الوراثي و اتساع رقعة الأرض لم يحكم أي خليفة من بلد ينتمي إليها و لم تقم ضده أي ثورة من أهل البلد فلقد حكم الأمويون من الشام و أصل أرضهم من مكة و قبيلتهم من قريش و حكم العباسيون من العراق و هم أصل أرضهم من مكة و أصل قبيلتهم من قريش و هكذا بالنظر إلى التاريخ الإسلامي لم تكن فكرة الإنتماء لأي شئ مهم إلا الإنتماء إلى الدين و انطلق و حكم من وجد في نفسه القدرة على تولي مسئولية الأمة من أي أرض لأنه مسلم يحكم مسلمين.

حتى وصل التاريخ إلى أواخر حكم العباسيين و ضعف حكمهم و لم يعد يستطيع أن يسيطر على كل أرض المسلمين فنشأت الدول الصغيرة في فترة حكم العباسيين و لكن لم تنهار فكرة الخلافة الواحدة للمسلمين في أذهان المسلمين لأن كل شخص حكم كان يبحث لنفسه عن شرعية من الخلافة العباسية و لم يستقل أحد بقطعة أرض منفصلا تماما عن الخلافة و هو ما نلاحظه من تاريخ من حكموا مصر في هذة الفترة كانوا دائما يعلنوا نفسهم نوابا للحكم من قبل الخلافة العباسية و أيضا لما حكمت شجرة الدر و جاء توبيخا من الخليفة العباسي بالرغم من عدم سيطرته الفعلية على الحكم في مصر إلا أن توبيخه أخذ في الاعتبار و حادثة بيبرس بعد ما تمت هزيمة التتار و انحصار خطر الصليبين فكر ما هي شرعيته بعد ما تراجعت شرعيته كمدافع عن الأمة فجاء بالطفل العباسي و جعله خليفه و أخذ منه شرعية حكمه.

سمح الضعف العباسي أن تظهر الكثير من الوجوه المتحمسه لحكم الأمه إلا أنها جميعا لم تكن لها القدرة على السيطرة الكاملة على كل الأرض الإسلامية فظل الحال أن يحكم كل منقطة حكاما منفصلين لا يستطيع أحدهم أي يسيطر على الكل مع الأخذ في الإعتبار أيضا ظروف الحروب الصليبية التي ظلت قرونا في فترة الضعف العباسي و من بعدها هجمة التتار التي زلزلت الوجدان الإسلامي بعد إكتساحهم بغداد و جاهد المسلمين لردع الأطماع في دولتهم يساعد بعضهم البعض. و بعد أن انحصر خطر الحملات الصليبية و انهيار دولة التتار عادت الأمة الإسلامية تنظر إلى حالها و تشتاق إلى فكرة الخلافة الواحدة مرة أخرى و أثناء هذا في شمال الدول الإسلامية ظهرت دولة العثمانين.

فيما لحق من التاريخ بعد ما انتهت الخلافة العثمانية لم يكن الذي فكر أن تقوم دولة تركيا على اساس الأرض أن جزءا من هذة الأرض لم يكن أساسا ضمن أرضها التاريخية لو كان الأنتماء هو الأنتماء للأرض لأن بداية مجد العثمانين الحقيقة هو فتح القسطنطينية و التي بشر به الرسول صلى الله عليه و سلم و اعتبره حدثا للأمه الإسلامية و ليس فقط لأهل الأرض و اعتبر من سيفتح رجل تفتخر به الأمه و أعطاه ما يشبه شرعية معينة على اساس أنه حقق مجدا للأمه اللإسلامية.

كنت أفكر قبل البدء في كتابة هذا الموضوع أن اعطيه عنوان فجوة التاريخ أو غفلة التاريخ و لكني فكرت أنه لا توجد في التاريخ لا غفلات و لا فجوات فلا يحدث لأحد غفلة أو فجوة إلا من مات سنينا و عاد مرة أخرى للحياة مثلما حدث لأهل الكهف و لكن شعوبنا كانت دائما حية على طول تاريخها. إذن لا توجد غفلات و لا فجوات و لا لكن توجد أحداث و تحولات.

و عندما فكرت أيضا أن اكتب عن التحول التاريخي لشكل الوطن من الدين للأرض كنت سأبدأ مباشرة من نهاية الخلافة العثمانية إلى أنني فكرت أن لا يمكن دراسية أي تحول إلى بعد دراسة الأحداث الرئيسة في تاريخ الأمة و هي عبارة عن أحداث و بعض الأحداث يحدث التحولات فهجرة الرسول إلى المدينة حدث أدى إلى تحول و التحول هو تغير فكرة الوطن إلى القبيلة إلى الدين فمع بداية الدين كان ينظر إلى أنه أمر اسري بين بني هاشم ثم نظروا إليه على أنه أمر قبلي في قريش ثم تطور إلى أن اصبح دولة و تطورت أحداث الدولة إلا الخلافات و كان حدث ضعف الخلافة العباسية الذي أدى إلى تحول نسبي في شكل الحكم أي يستقل بعض الناس بحكم قطع أرض حتى تمكن العثمانين من الحكم.

جرت العادة في دولة الإسلام منذ بدايتها على يد الرسول صلى الله عليه و سلم أن يحكم الحاكم من الأرض التي يستطيع الإنطلاق منها و التي تدعمه فلقد انطلق الرسول صلى الله عليه و سلم من المدينة لما وجد فيها من دعم و انطلق الأمويون من الشام و العباسيون من العراق و في كل إنطلاقه لم يكن المنطلق من أهل الأرض حتى جائت الإنطلاقة العثمانية.

يستطيع أي محايد أن يعرف أن إنطلاق العثمانين لم يكن من البداية تحمسا لأرض أو لعرق إنما كان تحمسا للدين و أكبر دليل هو القسطنطينية فلما فكر محمد الفاتح في فتحها كان في ذهنه و قلبه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و اشتياقه إلى أن يكون هو الرجل الذي حدث عن الرسول صلى الله عليه و سلم و انطلق من دولته دولة العثمانين و نجح في الفتح فعلا فاخذ العثمانين قوة دفع معنوية هائلة على أساس الوطن الديني السائد في هذا الوقت و وجدوا في أنفسهم القدرة على إعادة توحيد الأمة تحت راية الخلافة الواحدة و فعلوا.

كان الحدث الأهم قبل أي يوحد العثمانين الأمة تحت راية الخلاقة الواحدة أن لأول مرة في التاريخ الإسلامي أن تتوافق أرض الإنطلاق مع المنطلق فلقد أنطلق اتراكا من أرض تركيا في نفس الوقت لم تكن لغتهم العربية التي انتشرت من أثر الفتح الإسلامي و هو ما كان له تأثيرا فيما بعد و لم يكن فيه وقته مؤثرا في شرعية حكمهم للمسلمين فهم حتى لم يسموا خلافتهم الخلافة التركية بل كانت الخلافة العثمانية.

يظل زمن الخلافة العثمانية جزئا لا يعرفه الكثير لأسباب سأحاول معرفتها فيما بعد و لكن من أجل هذا فكرت أنها فجوة و لكن الأكيد أنها لم تكن بأي حال من الأحوال فجوة لأننا كنا في الحياة على أي حال و كل ما تذكره لنا كتب التاريخ هو أن "الأتراك" احتلوا العالم العربي و هذا ليس صحيحا لأنهم اقاموا خلافة اسلامية و تذكر لنا كتب التاريخ أن كل فترة الحكم العثماني ظلام و جهل تاريخي أضطهد فيها الأتراك العرب!

على الجانب الأخر من الأرض عادت أوربا بعد أن فشلت فشلا ذريعا أمام الأمة الإسلامية في الحملات الصليبية التي شنتها لتبحث عن تغطية لفترة ظلام تاريخي مؤكد في اوربا عادوا جميعا ليفكروا فغيروا في انظمة حكمهم بالشكل الذي وجدوه مناسب أن يجعلهم يتقدموا و أهم هذة التغيرات هو فصل الدين تمام عن الدولة لأنهم رأوا أن الدين دائما ما كان يعطل النهضة و يعتبر العلماء كفارا هذا بالإضافة إلى تطور فكرهم الإنساني الذي نهض بدولهم إلى التقدم و وضع الأسس القوية للحكم و التحرك خطوة بخطوة نحو التخلص من فكرة سيطرة حكم أي شخص بعينه على حكم الدولة و إتجاهم أن يأسسوا دولهم في إتجاه المؤسسات.

و مع تطور الفكر الإنساني و انفتاح و تقدم وسائل المواصلات و الإعلام و التقدم العلمي المتلاحق الذي تحققه اوربا و ظهور امبراطوريات مثل فرنسا و بريطانيا و مع ضعف الخلافة العثمانية بدأت أوربا في الزحف و العودة مرة أخرى للعالم و لكن بفكر مختلف ليس فقط احتلال الأراضي و لكن القضاء على أي تكتلات يمكن أن تصبح إمبراطوريات منافسة في اي مستقبل.

و تقريبا مثلما ما حدث في نهاية الخلافة العباسية حدث مع الخلافة العثمانية زحف اوربي لاحتلال أرض الخلافة و محاولات البعض الإنفصال بقطع أرض من الخلافة مثلما حاول محمد علي و خرج من حربه مع الخلافة أن يحكم مصر هو و ابناءه تحت مظلة الخلافة و مثلما حاول الوهابيون في الجزيرة العربية إلا أن الخلافة العثمانية بمساعدة محمد علي سيطرت على المحاولة.

إن قدوم أول زحف أوربي للمنطقة في زمن الخلافة العثمانية كان الحملة الفرنسية بقيادة نابوليون الذي فكر في حال الامة الإسلامية و أقر بضرورة فصلها بأي شكل و بالأخص فصل من نقطة مصر فلسطين و جاء من بعده البريطانيون تقريبا بنفس الفكر هو تفتيت هذة الأمه ليس فقط احتلال أرضها.

حتى وصل التاريخ إلى دخول الخلافة العثمانية الحرب العالمية الأولى ضد إمبراطوريات اوربا التي كانت تحتل بالفعل اجزاء من أرض الخلافه فبدأ الإنفصال الفعلي عندما احس المسلمون أن هناك حربا تدور ليست دفاعها عن فكرة الوطن الإسلامي إنما تعصبا للوطن المرتبط بالأرض و تخلي الخلافة نفسها عن خلافتها لصالح نظرة مختلفة و إنتهاء أرتباط أي أرض كانت تحتلها إمبراطوريات اوربا رسميا بالخلافة العثمانية التي احتفطوا لها بالتبعية الاسمية للخلافة و لكن وقت نشوب الحرب فعلا مع الخلافة اخذوا منها الحق الاسمي و انتهت دولة الخلافة فعليا بعد الحرب و اصبح المسلمين من جديد على نفس الموقف تقريبا يوم انهيار الخلافة في بغداد بعد انتهاء الخلافة العثمانية ليجدوا نفسهم بدون خليفة و لا خلافة و يزيد على ذلك أنهم جميعا تقريبا تحت سيطرة احتلال اوربي يعلنهم دولا على اساس الأرض و هكذا انتهت الخلافة و لكن هل كان من هو مستعد أو متقبل لعودة الخلافة مرة أخرى.