ناس كتير بتقول إن نظام التعليم في مصر فاشل (هنا مثلا تدوينة حزينة وجميلة أوي) .. ورغم إني متفهم الأسباب وراء الإستنتاج ده إلا إني أحيانا بالأقي نفسي بأختلف معاه . الحكم علي أي نظام بالنجاح والفشل لابد أن يراعي الأهداف التي يسعي وراها هذا النظام ومقارنة هذه الأهداف بما وصل إليها النظام ونتيجة هذه المقارنة ستصل بنا إلي الإستنتاج الصحيح .
وعلي هذا الأساس ، ناس كتير تبدأ تقارن نتيجة نظام التعليم في مصر بالهدف منه متصورة أن الهدف منه هو التعليم . ويتسرعون إلي الإستنتاج إلي أن النتيجة هي الفشل ، وهذه غير صحيح لأن بالتأكيد الطلبة بعد نهاية الدراسة في أي جامعة أصبحوا متعلمين أكتر مما قبل . لكن الهدف الحقيقي من نظام التعليم في مصر هو تخريج الطلبة ليصبحوا حاملي شهادات نستطيع من خلال أنواعها أن نبدأ في تقسيم الناس إلي مجموعات وطبقات .
مثلا عند بداية التجنيد ، شهادتك بتلعب دور كبير في نوع ومدة خدمتك العسكرية . شهادتك أيضا بتعلب دور في إمكانية حصولك علي شقة في مشروع نقابة معينة . وكمان شهادتك بتعلب دور مهم جدا في نظرة المجتمع إليك ، إذا كنت دكتور غير لما تكون خريج تجارة أو لو كنت مهندس غير لما تبقي خريج حقوق . والشهادة هنا بتلعب دور مهم أوي في ترتيب طبقات المجتمع . إحنا بننظر للناس بنظرة ترتيبية (بالترتيب من الأذكي إلي الأقل ذكاء) لأن إذا كان هو دكتور وإنت خريج تجارة يبقي هو جاب مجموع أكبر منك يبقي هو أكيد أذكي منك . وبسبب النظرة ديه – وليس بسبب رغبة كل فرد في تحسين مستقبله – يبدأ الناس في التحايل علي النظام للوصول إلي مرتبة أعلي ، ومن هنا بدأت فكرة الجامعات الخاصة . إذا كنت أنا أغني منك ليه إبنك أذكي من إبني . لأ ، أنا أقدر – بفلوسي – أخليه بنفس ذكاء إبنك ويمكن أذكي كمان .
والترتيب مش بس بين كلية وكلية ولكن أيضا بين جامعة وجامعة . لو إنت هندسة عين شمس غير لما تبقي هندسة حلوان أو هندسة أسيوط – لا سمح الله – . بصرف النظر عن إذا كان فعلا فيه أسباب لهذا الفرق ولا لأ ، المهم إن في فترة معينة تكونت فكرة عن كلية معينة إن ليها “برسيتج” معين والبرستيج ده هو الدافع ورا إندفاع الناس علي هذه الكلية .
لكن أكبر مشكلة في النظام هي الناس في ذيل الترتيب . مصر من أكتر الدول في نسبة الإلتحاق بالتعليم العالي . نسبة الناس في أمريكا اللي مش بتحصل علي أي تعليم جامعي حوالي 55% (من نسبة الطلبة الذين أتموا الدراسة الثانوية – النسبة ترتفع إلي 62.7% عند مقارنة الملتحقين بالتعليم العالي مع هؤلاء في سن الإلتحاق بالتعليم العالي . الإحصائية من عام 2006 ومصدرها المركز القومي لإحصائيات التعليم التابع لوزارة التعليم بالحكومة الفيدرالية الأمريكية . رابط لجدول الإحصائية) . 55% من طلبة الثانوية العامة في أمريكا مش بيدخلوا الجامعة ولا معهد ولا أي حاجة خالص . ليه ؟ لأن الوظايف اللي بيشتغلوها مش محتاجة أي تعليم عالي . فكر في الناس اللي بتدخل معاهد في مصر بعد التخرج بيعملوا إيه ، بيأخدوا دورات تدريبية علشان يقدروا يشتغلوا . لو واحد فيهم فكر وقال إن التعليم في المعهد مش هو اللي خلاني أحصل علي الوظيفة ديه ولكن الدورة التدريبية . اللي إتعلمته في الدورة التدريبية هو اللي أنا بأشتغل بيه يبقي ليه أضيع وقتي وأروح المعهد . خليه يروح يجرب يتقدم في وظيفة ومؤهلاته بتقول ثانوية عامة مش معهد عالي .
نظام التعليم نجح في إنه يوفر واحدة من أهم متطلبات الوظايف في مصر وهي صك التعليم . عملية إختيار الموظفين في مصر ليست بمستوي الرقي أن تدقق في المستوي الفكري للمتقدمين . أغلب الوظايف لا تتمتع بأي مستوي من التحدي الذي يتطلب موظف علي مستوي متقدم . في أي دولة متقدمة يتم التدقيق في مستوي التعليم والمتعلمين بسبب مطالب العاملين في الصناعات المختلفة ، هذه المطالب نابعة من الرغبة في تصنيع أو إبتكار أو إختراع شئ جديد . إسأل أي مهندس في مصر دوره إيه في مكان عمله ، هيقولك تشغيل الماكينة اللي جه الخبراء الأجانب ركبوها بدون تدخلي .
تطوير التعليم في مصر لا يتطلب فقط الإختيار بين 6 سنوات أو 5 سنوات للتعليم الإبتدائي ، سنة واحدة أو سنتين للثانوية العامة ، أو حتي نظام جديد للقبول الجامعي . تطوير التعليم في مصر يتطلب صناعة حقيقة ، ونظرة جديدة من المجتمع للمتعلمين وهدف يسعي الكل من أجل تحقيقه . تقدر تقول التعليم في مصر ناجح بس من غير مجموع . كفاية علشان تأخد الشهادة لكن ما تقدرش تعمل بيها حاجة .