الثلاثاء، ٢٣ يونيو ٢٠٠٩

إختلاف الرأي يفسد كل قضية

في قنوات الأخبار الأمريكية هناك تعبير مستخدم للإشارة إلي الضيوف الذين يقومون بمناقشة المواضيع المطروحة يوميا . هذا التعبير هو “الرؤوس المتكلمة” (Talking Heads) . وذلك لأنهم يطلون برؤوسهم ليتكلموا . هذه الرؤوس تقوم ليس فقط بطرح وجهة نظرها ولكنها تتكلم نيابة (بشكل أو بأخر) عن تيار معين . وقنوات الأخبار دائما ما تستضيف شخصا ليعبر عن وجهة نظر كل تيار لأن التيارات في أمريكا محصورة في تيارين فقط ، التيار الليبرالي (أو الحزب الديمواقراطي) والتيار المحافظ (أو الحزب الجمهوري) . وتستطيع أن تتعرف علي ميول القناة الإخبارية من خلال نوعية الضيوف التي تستضيفهم . فقناة إم إس إن بي سي MSNBC تميل ناحية الديمواقراطيين و فوكس نيوز Fox News تستضيف المحافظين ، أما سي إن إن CNN فتراعي التوازن بين التيارين لدرجة الحرص علي عدد الثواني المسموحة لكل طرف وذلك إلي مستوي يجعل التوازن أحيانا أسوأ من التحيز .

وبالرغم من أن التناظر علي شاشات التليفزيون الأمريكي هو مهنة بحد ذاتها مما قد يوحي بإمكانية تنوع الأفكار المطروحة إلا إن مراقبة قريبة للشخصيات التي تتحدث تجعلك قادر علي أن تتوقع ما سيقوله كل طرف فكلاهما متحيز لحزبه وتياره وليس الهدف بالتحديد هو أن تطرح وجهة نظر هذا التيار وتشرح لماذا هي وجهة النظر الصحيحة ولكن أقرب إلي أن تجعله يبدو وكأنه هو الأصح . فكل الموضوعات قد تم تفنيدها وتحليلها مرات ومرات وكل المطلوب هو لتيار أن يصل إلي الحكم كي يبدأ بتفيذ سياساته بصرف النظر عن إعتراضات الطرف الأخر فالمناظرة قد إنتهت بنهاية الإنتخابات .1_921629_1_23

علي الجانب الأخر من الكرة الأرضية ، تجد مشكلات وموضوعات في دول عربية عديدة لم تحظي بالتفنيد الذي حظيت به الموضوعات في الدول المتقدمة ومع كون المناظرات في التليفزيون فرصة أمام أصحاب الرأي لشرح وجهة نظرهم ، فرصة لا تتاح لهم في بلاد لا تملك إلا الصحف اليومية لنشر أي نوع من الرأي لشعوب مازالت نسبة الأمية فيها مرتفعة بشكل يدعو للخجل . ورغم هذا تجد المناظرات في التلفزيونات العربية أكثر سذاجة من نظيراتها في التليفزيونات الأمريكية . فواحد من البرامج التي تثير دهشتي دائما هو برنامج “الإتجاه المعاكس” علي قناة الجزيرة والذي تحمل صفحته علي موقع الجزيرة اليوم لقطة من البرنامج حيث يقوم المذيع “فيصل القاسم” – جسديا – بالوقوف بين الضيفين لتهدئتهما . وهذه مجرد لقطة فقط من البرنامج تجعلك متأكد أن مشاهدته ليست فرصة للتعرف علي من من الطرفين أصح أو حتي يملك حجة مقنعة ولكن فرصة ممتازة لمشاهدة قليل من تليفزيون الواقع حيث تستطيع إن تراهن علي إذا ما كانا الطرفين سيتشبكان أم لا .

السبب الرئيسي وراء هذه السذاجة هو سلوكنا كعرب في إدارة الحوار – أي حوار – فيما بيننا . دعني أوضح ما أعنيه بما قلت . نحن لا نعرف كيف ندير حوار ، لأننا لا نعرف كيف نتحاور . إسمحوا لي أن أطرح من خلال هذه التدوينة نقاط أساسية قد تساعد علي تخطي هذا . ولا أعني بهذا أن بعد قراءة ما يلي أن ستكون محاور من الطراز الأول أو حتي محاور جيد . لكنها أقرب إلي ملاحظات علي طريقتنا في الحوار .

الموضوعات لا يفصل فيها في حوار

نهاية الحوار لا تعني نهاية العالم وحتي لو لم تملك من الحجج ما يدافع عن موقفك فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنك لست علي حق ولكنه فقط يعني أنك لا تملك من الحجج ما تدافع به عن موقفك سواء ذلك لأنه لا توجد حجج أو لأنك فقط لا تملكها بسبب أنك لا تدري عما تتحدث أو أنك لم تبحث الموضوع بشكل كافي .

الهدف من الحوار ليس إقناع الطرف الأخر

إذا كنت تؤمن بشئ لدرجة أنك مستعد أن تتحدث للدفاع عنه وتعتقد أنك تملك من الحجج ما يكفي للقيام بذلك ، من الصعب جدا أن أتصور أنك مستعد أن تقتنع بوجهة نظر الطرف الأخر فكيف تتوقع أن يقتنع هو بوجهة نظرك ولا تستعجب من أنه لم يقتنع . لو كان يمكن أن يقتنع فكان سيقتنع من البداية .

كونك علي جانب الحق لا يعني أنك علي حق

إذا كان الحق واضح للجميع ، فلماذا نتحاور إذن ؟ كونك علي جانب الحق يسهل جدا من مهمتك في شرح وجهة نظرك ما عليك الآن هو أن تشرح لماذا أنت علي حق . لكن لا تستعجب من كيف لا تري الشمس كما تراها ، بل ساعدهم في أن يفعلوا ذلك .

لا أحد يمتلك الحقيقة

لا تصادر علي الطرف الأخر أن يناقش ما تذكره من نقاط حتي ولو كان بالباطل لأنك إذا كنت علي حق فلا خوف من أن تشرح أسباب ذلك .

الهدف من الحوار هو التوصل إلي حل وسط

بعض الموضوعات تتحمل إمكانية التوصل إلي حلول متوسطة بين الطرفين ، الحكم علي هذه الإمكانية يرجع إلي طبيعة الموضوع نفسه فلا تستبعد هذه الأمكانية لمجرد أن مقتنع بأنك علي حق .

الهدف من الحوار هو إقناع الطرف الثالث

إذا ما تناظر طرفين فإن الهدف من المناظرة في جميع الحالات هو إقناع الطرف الثالث (مشاهدي البرنامج في حالة الفضائيات) . رغم أن أفضل طريقة لإثبات وجهة نظر هي أن تقنع المناظر الأخر إلا أن مع إدراك أن هذا تقريبا مستحيل حدوثه ، فإن الهدف هو إقناع الأعداد الكبيرة من متابعي الحوار .

إعرف جمهورك

إذا كنت تتحدث أمام جمهور من الأكاديميين فذلك يختلف عن عامة الناس ويختلف عن مشاهدي التليفزيون . أن تعرف جمهورك هو أن تدرك من أين تبدأ وإلي أي مدي تستطيع أن تصل في إستعراض وجهة نظرك ، ما اللغة التي تستخدمها في الوصول إليهم وما يهمهم ولا يهمهم .

إدراك العامة

الناس لا تحكم بين طرفين بالضرورة بما يملكون من حجج – رغم أنها السبب الأساسي – ، إلا أن إدراك (perception) المشاهدين لطرفي الحوار يشكل عامل مهم في الحكم عليهم . لا يملك كل متابعي الحوار المعرفة أو الخبرة للحكم علي حجج الطرفين في كل الحالات وإذا لم تتوافر هذه المعرفة فإن الناس تميل إلي الحكم علي الطرفين من خلال وجهة نظرهم فيهم شخصيا .

لا أحد يستمع إلي مجنون

ولأن إدراك العامة عامل مهم في الحكم علي طرفي الحوار فإن مجرد أن تبدو كمجنون يدفع بك إلي خانة أن تكون مجنونا . لا داعي لأن ترفع صوتك أو تشير بذراعيك لأنه في النهاية فأنت لن تفصل في الموضوع بنهاية الحوار . لا داعي أن تدفع بقناعاتك وأحكامك علي مواضيع كأنها حقائق مؤكدة . ليس الهدف من الحوار هو فقط عرض أفكارك ولكن إقناع الناس بها ولا توجد طريقة لذلك أفضل من الوصول بهم إلي النتائج خطوة بخطوة .

ما أسهل تشويه السمعة

بالرغم من أن إثبات أن الطرف الأخر لا يملك من المصداقية ما يكفي لأن يعرض وجهة نظره في أي موضوع ، إلا أن تشويه سمعته بإستخدام إشاعات وشبهات مهما كانت معروفة هو شئ سهل من الممكن أن يقوم هو به أيضا وهو ما ينقل الحوار من تبادل للحجج إلي تنابز بالألقاب .

لا توجد حقيقة مؤكدة غير قابلة للعرض

رغم أنك لا تريد أن تبدأ تشويه سمعة مناظرك إلا إنه إذا ما كانت سمعته مشوهة بشكل مثبت فإن هذا لا يعد تشويها للسمعة ومع ذلك فإنك تريد أن تبتعد عن تهمة تشويه السمعة ، لذلك عليك أن تجد طريقة كي تذكر متابعي الحوار بمن هو مناظرك .

لا توجد حقيقة غير مؤكدة

إذا كانت غير مؤكدة فهي ليست بحقيقة . إبتعد عن أي سند ضعيف في عرضك لوجهة نظرك .

إستمع ولا تنتظر فقط لفرصتك في الكلام

أغلب الناس تستغل فرصة حديث الطرف الأخر لمحاولة تجميع الأفكار وتجهيز ما ستقوله لاحقا وأيضا إلتقاط الأنفاس إلا أنهم يتجاهلون أهم شئ وهو الإستماع إلي ما يقوله الطرف الأخر . أغلب الظن أن فرصتك الأكبر في إثبات وجهة نظرك متعلقة بخطأ يرتكبه الطرف الأخر وليس بالضرورة بفصاحتك .

هناك تعليق واحد:

  1. في حديث لوزير خارجية قطر و ردا على خبر أن مصر تفكر في إنشاء قناة إخبارية للرد على قناة الجزيرة فرد بأنها ظاهرة صحية للمهنة الإعلامية لوجود جو من التنافس و الرأي و الرأي الأخر ثم عقب بأنهم في البداية سوف يتبادلون الشتائم و لكنه قال ربما في يوم من الأيام يتجاوزوا هذة المراهقة الحوارية و يبدأوا في حوار جاد
    و أنا أتمنى ذلك أيضا

    ردحذف